الاثنين، 12 ديسمبر 2011

روح الأشعرية


روح الأشعرية موقف وسط بين قتل الإنسان وإخماد عقله وروحه واختزاله في تبعية غير تفاعلية مع ظواهر النصوص من جانب وإطلاقه بما يخرج عن عبوديته في تفاعلية تعدو على الوحي وتجعله تابعاً للعقل من جانب آخر.

تقف الأشعرية موقفاً وسطاً يستوعب نشاط العقل الإنساني بوصف ذلك انبثاقاً طبيعياً عن هذا الخلق المكرم ويرشد هذا النشاط بما يتفق مع الوحي في انضباط يجمع بين هيمنة النقل وفاعلية العقل. الأشعرية بهذا الوصف حركة عقدية نتجت عن تطورات حضارية أدت إلى تراكم معرفي تحول إلى صياغات علمية محكمة تكون بها ذلك العلم المسمى علم التوحيد.

فالأشعرية مذهب في الإنسان بقدر ما هي نظام في توحيد الرب تعالى. الإنسان في الأشعرية بوصفه مؤمنا كائن فعال قادر على التصرف كسباً من حيث الباطن فعلاً من حيث الظاهر بحيث ينسب إليه هذا الفعل وما يترتب عليه من مسئوليات. وهذا الإنسان يتمتع بملكات أظهرها ملكة جامعة هي العقل به يقع الإدراك. وأشرف المدركات هي الله تعالى. ولكن هذا العقل في تفاعليته مع الموجودات سعياً لإدراكها والحكم عليها قد تخدعه فاعليته فيحصر غائبها في شاهدها بسبب  قدرته على تكوين الأحكام وتصريف الأشياء. تكشف الأشعرية عن هذا الوهم العقلي وتسعي لرد العقل إلى حجمه الحقيقي مبقية على نشاطه وفاعليته مرشدة إياهما بسور الإيمان القاضي بأن المجاز لا يمكن أن يكون حكما مطلقاً على كل ما يستشكله العقل من الكلام الإلهي لأن إطلاق المجاز يبطل فاعلية النص لكون المجاز ضرورة حكم عقلي، فتفرق الأشعرية بين هو مجاز ضرورة وما ليس بمجاز ضرورة وترد ما ليس بمجاز ضرورة إلى أصله من الحقيقة فتحفظ للنص فاعليته المتمثلة في ظاهريته وتحفظ للعقل حيويته المتمثلة في تأويله.

تستقبل الأشعرية الإنسان إذن بوصفه متصرفاً عاقلاً وأن نشاطه العقلي جزء من وجوده الدال على إبداع صانعه. وحيث إن الدلالة على إبداع الصنع تكون بوجود صورة ذلك الإبداع في المصنوع الجامعة بين الإتقان في الفعل وتجديده أو إنشاء فعل جديد، يجد الإنسان متسعاً لتجليات إنسانيته في الأشعرية. فالإنسان عند الأشعري يتحقق به الإعمار الحضاري لوجود فضاء الفعل والحكم العقلي وهي عملية تنتقل من العقائد إلى المعاش بالمران والتعود.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق