الثلاثاء، 17 يناير 2012

اللحن بالحجة والقطعة من النار: رداً على مقال علاء الأسواني




نبدأ بخير الكلام من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "إنكم تختصمون لدي وإنما أنا بشر؛ ولعل أحدكم ألحن بالحجة من أخيه فأقضي له، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذْه، إنما أقطعُ له قطعةً من النار". وهذا اللحن في القول هو الذي يلبس الباطل ثوب الحق ويجعل الحق باطلاً أو يغير في نصيب كل قول من الحق والباطل، والحديث وإن كان وارداً في نزاع بين الأفراد، فلا شك أنه عام في كل خطاب نزاعي، أكان متعلقاً بالأفراد أو الجماعات. وهذا ما نحن بإزائه بالضبط في الجدل السياسي المشتعل في مصر منذ بدأت الدعوة لاستفتاء مارس 2011.

وكثير من السياسيين الراديكاليين جِدُ ماهرين في شيء واحد يؤثرون به في عقول الجماهير ويدفعونهم لتبني مواقفهم الراديكالية، ألا وهو تجميع أجزاء صورة تبدو منطقية أمام بعض الناس رغم ما فيها من تناقض وافتعال، ولي عنق الكلام ومط الحجج الواهية في سبيل الوصول إلى غاية محددة. من هذا القبيل ما كتبه علاء الأسواني في المصري اليوم نشره موقع مصراوي اليوم 17 يناير 2012 بما يفضي إلى نتيجة واحدة فقط وهي أننا بإزاء فريقين متعارضين: ثورة ومجلس عسكري، وفي جناح المجلس العسكري يأتي الإخوان والسلفيون ومعظم الشعب وهؤلاء عند الأسواني هم أدوات استمرار النظام القديم، وفي جناح الثورة تقف مجموعات من الناس بضعف في العدد وارتفاع هائل في الضجيج!! وهذه تفرقة لا نسلم بها أصلاً، وليست في التحليل الأخير إلا تبسيطا واختزالاً لمشهد كبير ومعقد بما يناسب عقول البسطاء وربما انخدع به بعض من لا ينتبهون جيداً لأساليب التضليل التي يستخدمها بعض الكتاب.

يقول الأسواني:
عزيزي القارئ.. هل لديك ابن في الصف السادس الابتدائي؟! من فضلك خذ منه كتاب الدراسات الاجتماعية واقرأ بدءا من صفحة رقم 101.. ستجد موضوعا كبيرا من عدة صفحات، مدعما بالصور، يستعرض ما يسمى إنجازات حسنى مبارك خلال ثلاثين عاما.. الدرس يستعمل تعبير ''الرئيس مبارك'' (لا السابق ولا المخلوع)، وبعد أن يستعرض أعماله في السياسة الخارجية والاقتصاد والتضامن الاجتماعي، يكتفي الدرس بالإشارة إلى الثورة المصرية بجملة واحدة فيقول: ''على أن كل هذه المحاولات من الرئيس مبارك لم تكن كافية لإرضاء الشعب فقام بثورة لتغيير النظام''.
هل الأسواني على دراية بكيفية كتابة كتب الدراسات الاجتماعية فعلاً؟ وهل هو مطلع على خلفيات وجود هذا الكلام بحق؟ وهل لا تختفي احتمالات أخرى ربما تفسر هذا الخطأ؟ ألا تمجد كتب الدراسات الاجتماعية نظام يوليو كله الذي أسقطته الثورة؟ أليس لجمال عبد الناصر وأنور السادات النصيب نفسه من التمجيد؟ ألا يوجد في مصر تراث باطل يقوم على احترام "الزعامات السابقة" ترى هل تسبب حسني مبارك الذي نكرهه جميعاً في كارثة كتلك التي تسبب فيها جمال عبد الناصر بهزيمته في 67؟ الوزارة لم تخرج عن هذا التقليد الذي أحكم عليه بأنه باطل، ولكن كيف نحاسب العسكر على فقرة في كتاب الدراسات الاجتماعية ولم يمر على الثورة سوى سنة؟ هل يدرك الأخ الأسواني مثلاً أن الموقع الإلكتروني لوزارة التعليم العالي ظل يحمل صورة هاني هلال الوزير البائد لعدة شهور بعد انتصار الثورة ومجئ عمرو سلامة؟ هل يمكن حمل هذا على استمرار النظام أم على فشل إداري منعزل؟

يضيف في فقرة أخرى من فقرات مقاله:

"خامسا: أجرى المجلس العسكري انتخابات غير عادلة، أراد بها أن يمنح أغلبية مقاعد البرلمان لجماعات الإسلام السياسي، فسمح لهم بتكوين أحزاب دينية ''في مخالفة صريحة للمادة الرابعة من الإعلان الدستوري الذي وضعه المجلس العسكري بنفسه''،

هذا ما اسميه اختراع الأكذوبة وتصديقها، فلا دليل على توفر إرادة لدى المجلس العسكري لفوز القوى الإسلامية وقد حدث نزاع بين الفريقين لدى إصدار وثيقة السلمي، ثم بعد تصريحات مختار الملا وممدوح شاهين معاً بشأن دور البرلمان وتوزيع السلطة. وتشكيل المجلس الاستشاري يكذب مزاعم علاء الأسواني.

أما تكوين الإسلاميين للأحزاب فقد جرى بقررات من القضاء لا من المجلس العسكري، فضلا عن أنه كان مطلبا وطنياً عاماً نادت به كل القوى السياسية قبل الثورة، وهو حق سياسي في المقام الأول. هذا فضلاً عن أن إضفاء وصف الدينية على كل هذه الأحزاب الإسلامية مسألة متنازع فيها من الناحية الفكرية أصلاً. وهؤلاء الإسلاميون بما فيهم حزب الوسط فازوا بخسمة وسبعين بالمائة من أصوات الناخبين، فعن أي شعب يتحدث علاء الأسواني. بل إن حزب الوفد المتحالف الآن برلمانياً مع الإخوان فاز بدوره بتسعة بالمائة من الأصوات فنحن نتكلم في حوالي 85 بالمائة من أصوات الشعب وهذه كتلة تصويتيه هائلة لا تتكرر في التاريخ إلا نادراً.

ثم يقول الأسواني:
وشكّل المجلس العسكري لجنة عليا للانتخابات غضت الطرف عن كل أنواع التجاوزات الانتخابية والسياسية للأحزاب الدينية، بدءا من الدعاية السياسية في الجوامع، إلى شراء الأصوات، إلى التأثير على الناخبين داخل اللجان وأمامها إلى ملايين الجنيهات التي أنفقها الإخوان والسلفيون دون أي رقابة على تمويلهم من المجلس العسكري الذي انحصرت رقابته على الناشطين الذين ينتقدون سياساته، مثل الجمعيات الحقوقية و''حركة 6 أبريل''، التي اتهمها المجلس بتلقي أموال من الخارج، ثم عجز تماما عن إثبات اتهاماته لها.
 محاولة قصر التجاوزات الانتخابية على تلك القوى هو ضرب آخر من التزييف، ولا يذكر الأسواني شيئاً مثلاً عن تأييد مؤسسة دينية كاملة لمجموعة من المرشحين وإصدارها قائمة بذلك، وهذه المخالفة لو وزنت بها كل مخالفات القوى التي يسميها إسلامية لفاقتها من حيث الثقل والخطورة. ولا أعتقد أنه يخفى على الأسواني أصلاً معنى أن تحتشد مؤسسة دينية بكاملها وراء مجموعة محددة من مرشحي الكتلة المصرية ومن تحالف معهم. ثم إن تحالف الكتلة المصرية يضم حزباً قام على أساس ديني وهو الحزب المسمى بحزب التحرير (الذي يزعم أنه صوفي الهوية، مع أن المجموعة التي أقامته مجموعة ملفوظة ومرفوضة من جموع الصوفية). ومع هذا فلم يتدخل المجلس العسكري باتخاذ أي إجراء ضد المؤسسة الدينية التي صدر عنها تأييد تحالف الكتلة ومجموعة من المرشحين الليبراليين، ولا ضد أفراد هذه المؤسسة الذين قاموا بذلك. وهكذا لا يفعل الأسواني أكثر من اجتزاء أجزاء من الصورة يرصها بجوار بعضها رصاً ليكون مجموعاً سوداوديا من المشاهد يبرر به الانتهازية السياسية للمجموعة الراديكالية.

ثم يقول الأسواني
"لست ضد المنتمين للإسلام السياسي، فهم مصريون وطنيون، لهم كامل الاحترام، لكن الحق يجب أن يقال: سوف يفصل القضاء إن كانت هذه الانتخابات مزورة أم لا، لكنها في كل الأحوال لم تكن انتخابات عادلة".
أما كاتب هذه السطور فمعروف بموقفه المضاد للقوى السلفية ومع هذا لا أهيل التراب على الانتخابات ولا أصفها بالتزوير كذباً ولا بعدم العدالة، فالشيء المؤكد هو أن العسكري أعطى الجميع فرصا متساوية لمخالفة قوانين الانتخابات، وأن زيادة التركيز على مخالفات الإسلاميين هي بسبب تغلب التيار الليبرالي في الإعلام، وبسبب الحجم الأكبر بكثير لهذه القوى في الشارع، حيث إن نسبة مؤيدي الإسلاميين تفوق نسبة مؤيدي الليبراليين ثماني مرات على الأقل بحسب نتائج الانتخابات. وبدلاً من مواجهة هذه الحقائق يسعى الليبراليون بكل قوة لتشويه هذا الإنجاز الديمقراطي الرائع بالاعتماد على شبهات واهية وشائعات لم يثبت منها شيء، مع أن ألف باء الثورة أن تقوم على إثبات الحقائق وإبطال الزيف.

أما حديثه عن عدم كون الانتخابات عادلة لما حاق بالليبراليين من هزيمة فلا يعني كثيراً في ميزان العقل والبصيرة، لأن الجميع تسابقوا في المخالفة وحشدت الكنيسة شركاء الوطن لصالح تيار بعينه، بينما الحقيقة الفجة التي يتعامى عنها الأسواني أنه لا توجد مؤسسة دينية لدى المسلمين قادرة على حشد الصوت المسلم بشكل ديني كما فعلت الكنيسة للاختلاف المعروف بين الديانتين في حجم الدور الذي تعلبه المؤسسة الدينية في حياة الناس. فبينما تبقى الكنيسة جزءا من الديانة المسيحية لا يتصور وجود المسيحية بدونها، فإن دور الأزهر بوصفه المؤسسة الدينية المصرية دور اتفاقي تواضعي في الأساس، نظراً لتنظيم الإسلام وتشريعه للاختلاف من الأصل. لذا لم يكن من الغريب أن يعطى المحيطون بشيخ الأزهر أصواتهم لقوى مختلفة، كما علمتُ أنا، فمنهم من انتخب الوفد، ومنهم من انتخب الوسط، ومنهم من انتخب الإخوان.

ثم أين كاتب المقال من الحملات اليومية المنظمة التي كانت وسائل الإعلام الليبرالية تشنها على السلفيين بما يتجاوز النقد أحياناً- وهو ما نتفق معه بالطبع- إلى التشويه العمدي في بعض الأحيان؟ نعم نختلف مع السلفيين ونتمنى أن تكون قوى الاعتدال هي الغالبة على المشهد السياسي دائماً، ولكن هذه حقيقة لا يجوز لنا السكوت عنها. فلئن كانت مخالفة السلفيين مخالفة جلية وظاهرة، فمخالفات التيار الليبرالي كانت خفية، تتشح بوشاح النقد وحق القارئ في معرفة الخبر، بينما فيها من الغرض ما فيها، وهي مع أنها لا يبدو فيها مخالفة  قانونية ظاهرة، تظل لا أخلاقية في جوهرها.

وإذا كان الأمر كذلك فعن أية عدالة غائبة يتحدثون؟