السبت، 17 ديسمبر 2011

الصوفية والانتخابات: محاولة للاستفادة من الفقه السياسي الصوفي لسيدي عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه


هذا الجزء استخرجته من كتاب (مختصر إرشاد المغفلين من الفقراء إلى شروط صحبة الأمراء) لسيدي عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه.  ويستفاد منه ما يلي:
 

- أن التعامل في السياسة ومع الساسة شرٌ ولكنه قد يكون شرًا لابدَ منه، وأن المصلحة فيه قد تغلب الضرر فيندب فعله، أي يستحب ويثاب عليه.

- ضرورة أن يكون التصويت على أساس المصلحة العامة.
- أن التصويت في الانتخابات يجب ألا يكون على أساس قبلية أو عصبية أو منفعة دنيوية أو قرابة أو غير ذلك مما لا تعلق له بالمصلحة العامة ومصلحة المسلمين.
- أنه يجوز التعاضد مع أهل السياسة لمصلحة الدين، وهذا ما سرنا عليه في إعلان تأييدنا لحزب الوسط بوصفه أقرب الأحزاب روحاً لأهل التصوف، وأهل السنة والجماعة من السادة الأشاعرة عموماً.
- أن التصويت لا يكتفى فيه بأن يكون المرء معتقدا في الصوفية بل لابد أن تتحقق بانتخابه مصلحة المسلمين لكونه أبصر من غيره بشئون الدين والدنيا مثلا. وإن كان يلزم هنا ألا يكون فاسد العقيدة معاديا لأهل التصوف كوهابية عصرنا الذين اقتحموا ميدان السياسة.

وقد سودت أهم مواضع الاستشهاد من كلام سيدي عبد الوهاب الشعراني نقلاً عن سيدي علي الخواص:

قال الإمام سيدي عبد الوهاب الشعراني قدس الله سره:
        وكان سيدي علي الخواص رضي الله عنه إذا صحب أحدًا من الأمراء يقول له: صَحِبْتُكَ يا أخي بشرط أنني لا آكل لك طعامًا، ولا أقبلُ لك هديةً، وإذا رأيتُ  الخيرَ لك في عَزْلِكَ من ولايتك أو في حرمانك مما تطلبه من الوظائف سَألتُ الله تعالى فيعزلك منها أو في حرمانك.


ويقول له: اعلم يا أخي أنك إذا ظلمت أحدًا من رَعِيَّتِكَ ولو في دجاجة أو بيضة صارت كل شعرة فيَّ تلعنُك وتتوجه إلى الله تعالى في عزلك وتأديبك ولو بالضرب الشديد والحبس الطويل، فإن شئت فادخل في صحبتي على هذا الشرط، وإن شئت فاذهب إلى غيري. انتهى.

وسمعته رضي الله عنه يقول: لا يجوز للفقراء في هذا الزمان أن يساعدوا أحدًا في شيء من ولايات الظلم ولو تردد إليهم سنين عديدة واعتقدهم كلَّ الاعتقاد، وكل فقير ساعد في ذلك فهو شريك لصاحب تلك الولاية في الإثم الحاصل له وفي الخِزْي الواصلِ إليه في الدنيا والآخرة، فليكن الفقير الساذج على حذر في هذا الزمان من صحبة الأمراء؛ لأن أحدهم أعمى البصر والبصيرة، ولو أنه نظر إلى ما يحصل له من العقوبات في الدنيا والآخرة ما قَبِلَ تلك الولاية, ولو سأل فيها بغير مال أبدًا. انتهى.


وسمعت سيدي محمد بن عنان([1]) رضي الله عنه  يقول: من علامة الشيخ الذي يصحب الأمير لله تعالى ألا يفرح بولايته ولا يحزن على عزله لأنه([2]) دائرٌ مع مُرَادِ الله تعالى لا مع مراد الأمير، وإنما وظيفته كثرةُ النُّصح له أيام ولايته، وكثرة تسليمه له إذا عزله وقوله له: قد استرحت من مظالم العباد والبلاد، ويكفيك ما حصل لك من الظلم أيام ولايتك، فلا يرى له مع الله تعالى حلًّا ولا ربطًا إنما هو كغلام السلطان، فإذا خلع على عبد خلعةً بولاية علَّمَه آدابها، وإذا عزله من ولايته علَّمَهُ آدابَ العَزْلِ وقلبه فارغ من ترجيح أحد الأمرين.

وسمعته يقول: متى تكدَّرَ فقيرٌ من عزل الأمير الذي يعتقده وتولية الأمير الذي يكرهه وينكر عليه فليعلم أن صحبته للأمراء ليست لله تعالى وإنما هي لحظِّ نَفْسٍ، ولو أنه كان صادقًا في صحبته لدَارَ مع مرضاة الله تعالى وقدم مرضاته على مرضاة نفسه وأميره.

وسمعته يقول: مِنْ عَلَامة صِدْقِ الفقير في صحبته الأمير أنه لو مكث سنة أو أكثر متوجهًا إلى الله تعالى في تولية أميره ولاية يطلبها ثم وَلَّى اللهُ تعالى في تلك الوظيفة عدوَّ ذلك الأمير، وحَالَ بينه وبينها انشرحَ لولاية ذلك العدو أكثر من انشراحه بولاية أميره، ومتى حصل عنده بعضُ تَكْدِيرٍ بولاية عدوِّ أميرِهِ فَصُحْبَتُه له لِغَير الله تعالى.

وسمعتُ أخي أفضل الدين رضي الله عنه  يقول: لا تصحبوا من الأمراء إلا من ينشرحُ لدعائكم له بالعزل ولعدوه بالنصر، ومتى انقبض خاطرُه من دعائكم لعدوِّه بالنصر ودَوَام الولاية فلا تصحبوه؛ لأنه يريد يدخلكم تحت حُكْمِهِ وذلك يُنَافي مقامَ الفقراء.

وسمعت الشيخ نور الدين المحلي رضي الله عنه ([3]) يقول: من علامة صدق الشيخ إذا ابْتُلِيَ بصحبة أحد من الأمراء الجوَرَة ألا يكون فيه شعرةٌ تحبِّه؛ فهو وإن خالطه فقلْبُه يلعَنُه.

وسمعته يقول: من ظنَّ من أمراء الجور أحدًا من العلماء العاملين يكون معه على عدوه إذا صحبه فقد خاب ظنه، ولو اعتقده وتردد إليه سنين؛ فقد يكون عدوُ ذلك الأمير أصلحَ للرعيِّة منه، وأكثرَ منفعةً عليهم. انتهى

وسمعت سيدي عليَّا الخواص رضي الله عنه  يقول: من علامة صدق الفقير إذا تردَّدَ إليه أميران أحدهما من أكبر المعتقدين فيه والثاني من أكبر المنكرين عليه أن يكون مع المنكِر عليه إذا كان أصلح للرعية، وعلى المعتقِد فيه إذا كان يظلم الرعية، حتَّى إنَّ المعتقدَ فيه المذكور لو سأله في التوجه إلى الله تعالى في عزل عدوِّه لا يجدُ في نفسه شعرةً واحدةً تجيبُه إلى التوجه في عزل ذلك المنكر عليه الذي هو أصلح، ومتى وجد أدنى ترجيح لمحبة المعتقد على المنكر المذكور -أعني الأصلح- فهو لم يشم من الصدق رائحةً، كما عليه الطائفة الذين يصحبون الأمراء للأغراض النفسانية؛ فإنَّ حكمهم حكم عصبة المجرمين والجمالين. انتهى.

وسمعت سيدي عليًّا الخواص رضي الله عنه  يقول: إذا شَمَّ أحدُكم من الأمير الذي تودَّدَ إليه سنين أنه يكون معه على عدوه فاطردُوه عن صحبتكم بالقلب والقالب لأنه لا فائدة في صحبته. انتهى.

وقد فعلتُ ذلك([4]) مع بني بغداد لما ترددوا إليَّ فصرَّحت بالطرد لمن طلب مني أن أكون معه على عدوه، لكن ذلك لا يصح إلا لمن أحكم مقام الزهد في الدنيا، فاعلموا ذلك أيها الإخوان واعملوا عليه، والحمد لله رب العالمين.

انتهى بتمامه ص 31-33. طبعة دار الكرز بتحقيق الأستاذ سيد حسني شاكر وتقديم الفقير.


([1]) سيدي محمد بن عنان العمري النَّسب أحد أكابر شيوخ الإمام الشعراني، تلقَّى الفقه عن الشيخ يحيى المناوي، وهو الذي ورث خدمة الحجرة النبوية باطنًا خلافةً لسيدي إبراهيم المتبولي. توفي > سنة 922، ودفن خلف محراب جامع المقسم وبنى عليه ولدُه أبو الصفا قبة وزاوية، وهي الآن لصيقة مسجد الفتح المشهور بالقاهرة الذي كان يعرف سابقًا باسم جامع المقسم.
([2]) في الأصل: «لأنَّ.
([3]) نور الدين المحلي الفقيه الشافعي، له شرح على متن الستين مسألة يعرف بإسعاف القاصد يصدر عن دارة الكرز إن شاء الله. حلَّاه الإمام الشعراني في «الطبقات الصغرى» بالعالم العلامة محقق الديار المصرية، كان مشهور بمصر بحل مشكلات العبارات في الأصول والفقه والمعاني والبيان، وتفقه عليه الشيخ شهاب الدين عميرة. توفي سنة على ما أورده صاحب «مفاكهة الخلان» صفر سنة 922.
([4]) في الأصل: بذلك. ولعله سهو من الناسخ.

الاثنين، 12 ديسمبر 2011

أكاذيب سفر الحوالي في حق الصوفية



ملحوطة: يحتاج هذا الموضوع لحذف بعض الألفاظ الحادة منه لأنني كتبته منذ مدة وسأفعل متى تيسر الوقت إن شاء الله


يسمي سفر الحوالي الصوفية بالخرافيين تأسيساً على كون الكرامة حديث خرافة. وهو في هذا لا يختلف عن الملحدين والوضعيين الذين ينكرون ما وراء العقل المحكوم بالعادة، إذِ الكرامة أمر خارق للعادة. فإذا قيد العقل نفسه بالعادة أنكر الكرامة، والكرامة ثابتة شرعاً، فيكون منكرها مبتدعاً.
ولا يعرف سفر الحوالي الخرافة ولا يمكنه أن يعرفها ليصادر بها على الكرامة لأن في تعريفها حتفه.
فما إن يبدأ القائل بخرافية الكرامة تعريف الخرافة التي يمكن معها مصادرة الكرامة حتى ينزلق إلى مقولات دهرية كفرية.
لذا سيكتفي سفر بالخرافة عن الحقيقة، أي خرافة كون الكرامة خرافة، لأنه لو حاول التمييز فإما أن يقع في البدعة العقدية كما قدمنا وإما أن يعترف بأن كرامات الأولياء التي يسوقها الصوفية في كتبهم لا تندرج من حيث هي كرامات في مقولة الخرافة.
وليست البدعة فقط هي التي يقع فيها سفر باللازم من تسمية الكرامات خرافات، بل هو واقع في جملة من الأكاذيب كذلك.
وإني ليهولني سكوت الناس على هذا الخارجي الكذاب وعدم نشاط أهل العلم وطلبته لبيان أكاذيبه. نعم نشطوا في الرد على جهله بشان الأشعرية، ولكن لم نر نشاطاً مقارباً في مسائل التصوف الذي يقول عنه هذا الخارجي الفاجر إنه ديانة أخرى غير الإسلام.
والإسلام من قوله براء
فمن أكاذيبه مثلاً عند سوقه كرامة المجذوب الشيخ إبراهيم العريان قوله: "من أئمتهم"، يقصد الصوفية.
وكون الشيخ العريان من أئمة الصوفية أمر لا يعرف وغير ممكن لأن الصوفية أطبقوا على أن المجذوب غير المتدارك بالسلوك لا يصلح للاقتداء أصلاً، والشيخ العريان هو من هذا الباب، وسفر- أظلم الله إسفاره- يتعامى عن هذا الأمر البسيط المعروف، ليجعل الصوفية مقتدين بمن لا يعتد بفعله شرعاً أصلاً.
فإن قيل إن لم يكن إماماً فلم ساق الإمامان الشعراني والمناوي ترجمته في طبقاتهما، قلنا: المناوي من أكابر أهل العلم الظاهرين به، والإمام الشعراني فوقه في العلم ولكنه آثر الظهور بالتصوف والتربية مع جهود معروفة لا ينكرها إلا جاحد في التصوف والفقه والأصول والحديث واللغة.
فهذان الإمامان ممن يعتد بفعلهما في الأصل، فإن ساقا الترجمة فلغرض صحيح، ويكون واجب الباحث هو البحث عن سبب سوقهما لترجمته في طبقاتهما.
والمناوي في هذه المسألة مقلد للإمام الشعراني ناقل عنه، فيكون الجواب عن الإمام الشعراني ثم الصوفية والعلماء الذين لم ينكروا عليه ذلك الصنيع وقت تأليف الطبقات وبعد تأليفها وغيرها من كتبه كالأئمة الأعلام الذي جاءوا بعده وأثنوا عليه وهم فوق الحصر.
والسبب في هذا أن الأولين جروا على الترجمة في كتبهم للمولهين وعقلاء المجانين، وقد ظهر التوله في التابعين الذين عانوا الصعق عند سماع بعض الآيات كما ذكر ذلك ابن تيمية في فتاواه عند الحديث عن عقلاء المجانين ثم مروراً بأمثال بهلول المجذوب إلى طبقة سيدي قضيب البان الموصلي الذي أثنى عليه سيدي عبد القادر الجيلاني ثم كتب أهل التراجم للقرون التالية كالذهبي وابن حجر والسخاوي وغيرهم.
وحيث إن من الأولياء جنساً يسمى المجاذيب وكان يسمى قبل ذلك بعقلاء المجانين أو المولهين أو البهاليل، فقد درج الإمام الشعراني على ما درج عليه ابن الجوزي والذهبي والسخاوي والقشيري ممن ترجم لهم.
وفي طبقات الإمام الشعراني نفسه وغيره من كتبه أن هؤلاء لا يقتدى بفعلهم ولا ينكر عليهم إحساناً للظن خاصة إذا تقدم منهم صلاح واستقامة.
ومن أكاذيبه الممتزجة بجهله قوله في كرامات من يدعى حسن الخلبوصي ولم أقف له على ترجمة في الطبقات وربما ذكر في غيره من الكتب:
اقتباس
حسن الخلبوصي ، يقول الشعراني : حكى الشيخ يوسف الحريتي رحمه الله قال: ' قصدته بالزيارة في خان بنات الخطا - مكان الدعارة الذي تؤجر فيها البنات أنفسهنَّ!! -فوجدتُّ واحدةً راكِبةً على عنقه، ويداها ورجلاها مخضوبتان بالحناء، وهي تصفعه في عنقه -تلطمه وتضربه على عنقه- وهو يقول: لا، برفق فإنَّ عيناي موجوعتان! '

أقول: يعتبرون هذا من كرامات الشيخ أن بنات الزنا في حال الزنا تفعل به هكذا.

والكرامة أمر خارق للعادة ولا خرق عادة هنا فكيف أدخل سفر الحوالي هذا في باب الكرامة؟
ثم لماذا يقع سفر الحوالي على هذه الكلمات ويحاول أن يعممها على الصوفية؟ هل لم يجد سفر الحوالي مسلكين صاحين عرفوا بإرشاد الخلق كسيدي عبد القادر رضي الله عنه أو الشيخ أبي مدين أو الإمام المرسي أو ابن عطاء الله، أو الشيخ أحمد الزاهد أو الشيخ مدين شيخ السخاوي الذي أثنى عليه تلميذه كثيراً.
لماذا وهؤلاء هم أهل الاقتداء يهجرهم هذا الكذاب المنافق ويتوكأ على المجاذيب ليجعلهم قاعدة وهم محض استثناء؟
ثم هل يرى الحوالي المكابر المعاند أن حال عقلاء المجانين حال يصنعه شيوخ التصوف ويربونه في مريديهم، فما هي هذه الطريقة الصوفية التي تجعل إنساناً يذهب إلى الماخور ليعاشر العاهرات عن اختيار وإرادة كاملين؟
وأين نجد في كتب التصوف تلك القواعد السلوكية الموصلة إلى هذا؟
ألم يقرأ سفر السافر الكاذب كيفية رجوع سيدنا إبراهيم بن آدهم عن عيش الملوك؟ أليس من الممكن أن يصيب الدهش الدائم شخصاً بسبب هاتف كالهاتف الذي سمعه هذا الشيخ المجمع على جلالته؟
ثم من هم أصحاب حسن الخلبوصي هذا ومن الآخذون عنه ومن المقتدون به؟
ونعود لنقول: هل التحمت بدعة إنكار الكرامة بسفر الحوالي المبتدع حتى صار يعتقد كل فعل يأتيه إنسان مذكور في كتاب من كتب الصوفية كرامة تستحق الإنكار؟!!
وقال الحوالي في جملة جهالاته

اقتباس
يروون عن أحدِ كبرائهم، وهو المسمَّى: شمس الدين محمد الحنفي أنَّه أوصى في مرض موته فقال: ' مَن كان له حاجة فليأت إلى قبري، ويطلب حاجته أقضها أنا! '

وهذا الحنفي أيضاً، يسمُّونه أعظم خلفاء البكري يذكرون: أنَّه امتحنه البكري مرة، فقال له: ' كان الليلة في نفسي أمر ما هو؟! فأخبره به! فقال: أصبتَ، هذا الذي كان في نفسي! '

لعلك أيها الخائب اطلعت على كتاب حققه بعض الساهين فخلطت بين الحنفي والحفني، فصاحب القول الأول هو الشمس الحنفي فعلاً، بينما أعظم خلفاء البكري هو الشمس الحفني، وهو شيخ الإسلام والأزهر محمد بن سالم الحفناوي فانظر ترجمته عند الجبرتي وعند المرتضى وغيرهما كي تعلم كيف يكون الأولياء وماهيتهم وما أعطاه الله لهم من المنن التي حرم منها أمثالك.

أما ما تسميه علم الغيب فالعلم بالمغيبات من جملة الكرامة التي هي أمر خارق للعادة يظهره الله تعالى على من يشاء من عباده تأييداً له في دعوى صلاحه. ولو كان كل غير ممكن عادة غيرَ ممكن شرعاً وعقلاً لما بقي للكرامة مسمى. ولو حاولت أيها الكذاب أن تضبط الغيب بضابط تميز به ما يمكن العلم به فراسة وكشفاً وكرامة مما لا يمكن العلم به لن تزيد على أن تجعل قسم غير الممكن هو الإحاطة بالذات والصفات: (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً).

فمخانيث الملاحدة والزنادقة والوضعيين هذا مذهبهم في إنكار فضل الله تعالى على خلقه وتقييد صنعه الذي يجريه على أيديهم.

الكرامات -كما يسمُّونها- هي: أحوال، منها كرامات، ومنها استغاثات، وسأعرض بعضها عرضاً سريعاً، وهذه موجودة في كتبهم مثل طبقات الشعراني والمشْرَع الروي في فضائل آل با علوي وجامع كرامات الأولياء .

يقول عبد القادر الطشطوشي : ' أرباب الأحوال مع الله كحالهم قبل الخلق وإنزال الشرائع'.

هذا كلام سفر فانظروا هذا العته:

الكرامات منها كرامات!!

فعند سفر الحوالي الكرامة تضم عدة أقسام منها قسم يسمى الكرامة!

وهناك أقسام أخرى منها الاستغاثات!

فعند سفر: الجزء يساوي الكل، فالرجل يقول بأن الاستحالات العقلية ممكنة.

طبعاً أعلم أنه لا يقصد ذلك.

ولكن نعلم أنه جاهل يهذي لا يدري.

والاستغاثات لم يقل صوفي إنها كرامة.

ولكنه يريد أن يستخدم فزاعة الشرك ليعمي بها على غباوته التي هي قسمة الله الأزلية له والله تعالى أعلم!

ونقله كلمة سيدي عبد القادر الدشطوطي رضي الله عنه ما معناه وما ضرورته هنا؟
فهذا المعتوه لا يشرح لماذا ينقل هذا القول وماذا يفهم منه.
ويبدو أنه يربط كلمة الأحوال التي ساقها في تعريف الكرامة بكلمة الأحوال التي وردت في قولة سيدي الدشطوطي!!

أو لعله لم يقصد ذلك.

ولعله قصد الإشارة إلى أن الصوفية يقولون بإسقاط الأعمال!

وكان ينبغي أن يشرح لجمهور مستمعيه - إذ هذا الكلام من محاضرة له- الذين هم في جلهم أكثر منه جهلاً بالضرورة معنى أرباب الأحوال. ولكن الظن عندي في غير تجن أنه لا يفهم شيئاً مما ينقل.

ويواصل سفر الحوالي إعلان غباوته بأصرح الطرق فيقول عن سيدي علي الكردي رضي الله عنه:
كرامة علي الكردي. المدعو علي الكردي وهو يعتبر مِن أوليائهم، أنَّ السهروردي لما جاء إلى دمشق قال: أريد أن أزور علي الكردي ، فقال له الناس: يا مولانا لا تفعل وأنت إمام الوجود، وهذا رجل لا يصلِّي ويمشي مكشوف العورة أكثر أوقاته - لاحظوا هذا الولي لا يصلِّي، ويمشي أكثر أوقاته وهو مكشوف العورة - قال: لا بدَّ مِن ذلك، فساعة دخوله مِن الباب خرج الشيخ علي من دمشق ... فلم يدخلها بعد ذلك، فقالوا للشيخ السهروردي : هو في الجبَّانة، فركب بغلته، ودخل يمشي إليه، فلمَّا رآه علي الكردي قد قرب منه كشف عورته، فقال الشيخ شهاب الدين : ما هذا شيءٌ يصدُّنا عنك وها نحن ضيفك -يعني: مهما كشفت لا يصدُّنا-.

وقد سبق لسفر الحوالي أن حدد أن الكرامات إما كرامات أو استغاثات. فإذا هو يضيف إليها مجرد اللقاء بين عارف معتبر وعالم مقدم له كتاب في الرد على فلسفة اليونان وبين رجل مجذوب غلبت روحانيته على جسمانيته حتى صار من اللطف لا يستطيع لبس الثياب. ولو لبسها لذاق العذاب.


ولكن كيف لهذه الأصنام أن تفهم هذا الكلام مع وجود التأصيل له في كتب شيخهم ابن تيمية نفسه؟

قال سفر الحوالي في رده على سؤال يتناول العلاقة المزعومة بين التشيع والتصوف:
الجواب: تفسير ذلك بأن أعداء الإسلام يُخططون لكل مرحلة في القرن الثالث والرابع انصرف الناس عن الرافضة وعن التشيع، حيث وجدوا أنها واضحة الضلال، وكثير منهم قالوا: إن هذا دين لا يقبله عقل وتركوه, وبقيت القضية موجودة: أي: قضية الخروج عن الدين بأي شكل من الأشكال, أي: قضية عبد الله بن سبأ في تأليه علي , كما فعل بولس بالنسبة للمسيح, فنقل أعداء الإسلام التعظيم والتأليه من شخص علي إلى شخص محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أي: إذا كنت تريد أن تكون شيعياً، قل: علي هو الإله، وادعوه واعبده وطف حوله في كربلاء وأمثالها.

فإذا قلت: لا, قالوا: إذاً تدعو النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتستغيث به وتعبده, فجعلوا الأمة أمام هذين الخيارين، والغلو واحد، والهدف واحد, والمؤسسون متحدون.

فلذلك تجدون الغموض الشديد يكتنف شخصيات الذين أسسوا التصوف, مثل أحمد الرفاعي , وكثير ممن أنشأوا هذا الدين اكتنفهم الغموض, وأول من أطلق عليه لقب الصوفي, هو رجل رافضي، هو جابر بن حيان -الذي أيضاً نفتخر به- وجابر بن حيان سمي الصوفي وهو رافضي، وكتبه الموجودة المطبوعة الآن في العلوم الكيميائية, يقول فيها: إن إمامي ووصي أوصاني بأن أفعل كذا وأفعل كذا, ويقولون: إنه يشير بذلك إلى جعفر الصادق ، وهو أول من سمي الصوفي, ويقولون: إن معروف الكرخي يستمد ولايته من كونه كان بواباً عند علي الرضا , وتنتهي سلسلة خرقة التصوف إلى علي بن أبي طالب في كثير من الطرق, مثلما تنتهي سلسلة الأئمة عند الشيعة .

فالتشابه موجود والهدف واحد, وإنما قالوا: نُخرج هذا عن طريق الغلو في علي , ونُخرج هذا عن طريق الغلو في محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فمن كان من أهل البيت، وقال: لا نعبد علياً ولا نعظمه, أو أن تعظيم علي قد طغى على تعظيم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قالوا له: أنت عظم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, والنتيجة واحدة.

لا أعرف من أجاز هذا الرجل بالحديث في العلم فلعل بعض طلبة الوهابية يتكلم أحسن منه في هذه المسائل. أما هذا فعجيب في تجرئه على العلم وحقائق التاريخ واستسهاله رمي الناس بالعظائم.

فأول فقرة في كلامه وهي المتعلقة بتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم فيها من الجهل والحمق والتعالم ما يسد الأفق.

فهو يجعل تعظيم الصوفية للنبي صلى الله عليه وسلم فرعاً من تأليه الشيعة لسيدنا علي رضي الله عنه.

ولا يفسر لنا هذا المجنون كيف صار نفرٌ من أهل مذهبه نفسه من أتباع هذه الديانة. أي كيف صار ابن بطة والبربهاري وابن الكيزاني من أتباع ديانة غير الإسلام تسمى التصوف مع كون هؤلاء عنده من الأئمة المقبولين؟!

ثم ما هي الصيرورة التاريخية التي تحولت بها دعوى تأليه سيدنا علي رضي الله عنه إلى تعظيم لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟

ثم كيف وقع صفر التافه هذا على هذا الرابطة العبقرية علماً بأن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم بالصورة التي ينكرها الوهابية لم تكن موجودة في أقوال متقدمي المشايخ.

وهذه هي الرسالة القشيرية جامعة لتراجمهم وأقوالهم، فأين نجد فيها الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم أو الحقيقة المحمدية؟

فإذا كان هذا الدين أيها المخلول قام على الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم فكيف اختفت أمارات هذا الغلو منه؟

وهل سمعتم بدين أو مذهب يقوم على اعتقاد معين ثم لا نرى أثراً لهذا الاعتقاد فيه؟

ونعود لنسأل سفر الحوالي: كيف وعبر أي صيرورة تاريخية تحولت السبئية إلى التصوف؟

هل تتهم أيها الفاجر مثلاً السيد علي رضا بنقل تأليه علي إلى التصوف في صورة تعظيم رسول الله والاستغاثة به بدليل أخذ سيدنا معروف الكرخي عنه؟

ثم إن كان سيدنا معروف رضي الله عنه تلميذاً للسيد علي الرضا فمن يا غبي قال هذه القولة في معروف؟

من اتهم معروفاً بتأسيس ديانة جديدة؟ من أيها الحمار؟ وهل لم يوجد تعظيم معروف في كتب السلفية؟

وإذا كان ابن تيمية ينقل عن سيدنا معروف وجملة من شيوخ التصوف الأوائل تفضيل سيدنا أبي بكر رضي الله عنه على سيدنا علي ولا يعقل تشيع دون تفضيل لسيدنا علي رضي الله عنه فكيف قلت قولتك هذه في سيدنا معروف رضي الله عنه؟

وهذا الرجل ينبغي إدراجه في جملة الحشاشين لا في العلماء لأنه يهذي ولا يدري ما يقول يذهب إلى أن نشأة التصوفي البدعي هذا في القرن الثالث، فما علاقة السيد أحمد الرفاعي قدس الله سره بذلك وهو من أهل القرن السادس؟ ومع أن نشأة التصوف عنده كانت مع جابر أو في القرن الثالث فهو يورد اسم السيد الرفاعي ضمن مؤسسي التصوف الذين يكتنف الغموض نشأتهم؟ فهل أسس التصوف في القرن الثالث أم في القرن السادس؟

وهل وجد الجنيد والسري وسهل وأبو يزيد والخراز والشبلي ورويم وهم أئمة التصوف في الثالث والرابع أم في السادس؟ وهل ألف أبو نعيم وأبو طالب والغزالي والقشيري واستقر هذا العلم قبل السيد الرفاعي أم لا؟


وأما كون جابر بن حيان أول من تسمى باسم الصوفي فغير صحيح لأن أقدم من يعرف بهذا الاسم هو أبو هاشم الصوفي. وأما جابر ونسبته إلى سيدنا جعفر رضي الله عنه فمشكوك فيها. قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: وأنا أنزه جعفر الصادق رضي الله عنه عن الكيمياء، وإنما هذا الشيطان أراد الإغواء بكونه عزا ذلك إلى جعفر الصادق لتتلقاه النفوس بالقبول، ورأيته إذا ذكر الحجر يقول بعد ما يرمزه: وقد أوضحته في الكتاب الفلاني، فيتعب الطالب حتى يظفر بذلك المصنف المشوم، فيجده قد قال: وقد بينته في الكتاب الفلاني، فلا يزال يحيل على شيء بعد شيء. انتهى.

وقال ابن تيمية في فتاواه: وأما جابر بن حيان صاحب المصنفات المشهورة عند الكيماوية فمجهول لا يعرف. انتهى

ومن الواضح أن هذا الناصبي يرى كل نسبة لأحد من آل البيت رضي الله عنه مستلزمة لا للتشيع فحسب بل للرفض كذلك، فما أقبح كذبه. وآية ذلك جعله نسبة كثير من طرق الصوفية إلى سيدنا كعلي كنسبة الشيعة إلى سيدنا علي رضي الله عنه.

أما نسبة الشيعة إلى سيدنا علي فباطلة وأما نسبة الصوفية إليه رضي الله عنه فصحيحة ولا شك. إلا أن سيدنا علي لا ينفرد بانتهاء سلاسل الصوفية إليه، نعم الغالب ذلك ولكن ليس هذا حكماً كلياً فمن مشاهير الصوفية من انتسب سلسلته إلى الفاروق رضي الله عنه ومنهم إلى الصديق رضي الله عنه ومنهم إلى سيدنا أنس رضي الله عنه.

وغلبة سيدنا على رضي الله عنه على سلاسلنا كغلبة ابن عباس في التفسير وكغلبة ابن مسعود في الفقه وكغلبة أبي هريرة في الحديث رضي الله عنهم وأرضاهم.

وليس كثيراً على سيدنا علي رضي الله عنه وعن آل البيت جميعاً أن يغلب على علم التصوف وأن يصير هو مرجعه الأول وإلا لو كانت كل فضيلة منسوبة إليه تشيعاً وترفضاً لما بقيت له فضيلة وهذا قول النواصب أخزاهم الله.

:ومع أنه يجعل التصوف في إجابته متطوراً عن التشيع نجد على موقعه هذا التعريف للصوفية:
حركة دينية انتشرت في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري كنزعات فردية تدعو إلى الزهد، ثم تطورت بدع الصوفية حتى صارت مأوى كل مبطل وزنديق حتى اشتهر فيهم الإلحاد والزندقة، وأعلن بعضهم الحلول والاتحاد ووحدة الوجود.

فالتصوف هنا ليس متطوراً عن التشيع بل هو بدأ كنزعات فردية غير منظمة تدعو إلى الزهد.

وهو في إقراره بانتشار التصوف في القرن الثالث يناقض نفسه حين يقول إن أحد مؤسسيه من أهل القرن السادس.


روح الأشعرية


روح الأشعرية موقف وسط بين قتل الإنسان وإخماد عقله وروحه واختزاله في تبعية غير تفاعلية مع ظواهر النصوص من جانب وإطلاقه بما يخرج عن عبوديته في تفاعلية تعدو على الوحي وتجعله تابعاً للعقل من جانب آخر.

تقف الأشعرية موقفاً وسطاً يستوعب نشاط العقل الإنساني بوصف ذلك انبثاقاً طبيعياً عن هذا الخلق المكرم ويرشد هذا النشاط بما يتفق مع الوحي في انضباط يجمع بين هيمنة النقل وفاعلية العقل. الأشعرية بهذا الوصف حركة عقدية نتجت عن تطورات حضارية أدت إلى تراكم معرفي تحول إلى صياغات علمية محكمة تكون بها ذلك العلم المسمى علم التوحيد.

فالأشعرية مذهب في الإنسان بقدر ما هي نظام في توحيد الرب تعالى. الإنسان في الأشعرية بوصفه مؤمنا كائن فعال قادر على التصرف كسباً من حيث الباطن فعلاً من حيث الظاهر بحيث ينسب إليه هذا الفعل وما يترتب عليه من مسئوليات. وهذا الإنسان يتمتع بملكات أظهرها ملكة جامعة هي العقل به يقع الإدراك. وأشرف المدركات هي الله تعالى. ولكن هذا العقل في تفاعليته مع الموجودات سعياً لإدراكها والحكم عليها قد تخدعه فاعليته فيحصر غائبها في شاهدها بسبب  قدرته على تكوين الأحكام وتصريف الأشياء. تكشف الأشعرية عن هذا الوهم العقلي وتسعي لرد العقل إلى حجمه الحقيقي مبقية على نشاطه وفاعليته مرشدة إياهما بسور الإيمان القاضي بأن المجاز لا يمكن أن يكون حكما مطلقاً على كل ما يستشكله العقل من الكلام الإلهي لأن إطلاق المجاز يبطل فاعلية النص لكون المجاز ضرورة حكم عقلي، فتفرق الأشعرية بين هو مجاز ضرورة وما ليس بمجاز ضرورة وترد ما ليس بمجاز ضرورة إلى أصله من الحقيقة فتحفظ للنص فاعليته المتمثلة في ظاهريته وتحفظ للعقل حيويته المتمثلة في تأويله.

تستقبل الأشعرية الإنسان إذن بوصفه متصرفاً عاقلاً وأن نشاطه العقلي جزء من وجوده الدال على إبداع صانعه. وحيث إن الدلالة على إبداع الصنع تكون بوجود صورة ذلك الإبداع في المصنوع الجامعة بين الإتقان في الفعل وتجديده أو إنشاء فعل جديد، يجد الإنسان متسعاً لتجليات إنسانيته في الأشعرية. فالإنسان عند الأشعري يتحقق به الإعمار الحضاري لوجود فضاء الفعل والحكم العقلي وهي عملية تنتقل من العقائد إلى المعاش بالمران والتعود.