السبت، 17 ديسمبر 2011

الصوفية والانتخابات: محاولة للاستفادة من الفقه السياسي الصوفي لسيدي عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه


هذا الجزء استخرجته من كتاب (مختصر إرشاد المغفلين من الفقراء إلى شروط صحبة الأمراء) لسيدي عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه.  ويستفاد منه ما يلي:
 

- أن التعامل في السياسة ومع الساسة شرٌ ولكنه قد يكون شرًا لابدَ منه، وأن المصلحة فيه قد تغلب الضرر فيندب فعله، أي يستحب ويثاب عليه.

- ضرورة أن يكون التصويت على أساس المصلحة العامة.
- أن التصويت في الانتخابات يجب ألا يكون على أساس قبلية أو عصبية أو منفعة دنيوية أو قرابة أو غير ذلك مما لا تعلق له بالمصلحة العامة ومصلحة المسلمين.
- أنه يجوز التعاضد مع أهل السياسة لمصلحة الدين، وهذا ما سرنا عليه في إعلان تأييدنا لحزب الوسط بوصفه أقرب الأحزاب روحاً لأهل التصوف، وأهل السنة والجماعة من السادة الأشاعرة عموماً.
- أن التصويت لا يكتفى فيه بأن يكون المرء معتقدا في الصوفية بل لابد أن تتحقق بانتخابه مصلحة المسلمين لكونه أبصر من غيره بشئون الدين والدنيا مثلا. وإن كان يلزم هنا ألا يكون فاسد العقيدة معاديا لأهل التصوف كوهابية عصرنا الذين اقتحموا ميدان السياسة.

وقد سودت أهم مواضع الاستشهاد من كلام سيدي عبد الوهاب الشعراني نقلاً عن سيدي علي الخواص:

قال الإمام سيدي عبد الوهاب الشعراني قدس الله سره:
        وكان سيدي علي الخواص رضي الله عنه إذا صحب أحدًا من الأمراء يقول له: صَحِبْتُكَ يا أخي بشرط أنني لا آكل لك طعامًا، ولا أقبلُ لك هديةً، وإذا رأيتُ  الخيرَ لك في عَزْلِكَ من ولايتك أو في حرمانك مما تطلبه من الوظائف سَألتُ الله تعالى فيعزلك منها أو في حرمانك.


ويقول له: اعلم يا أخي أنك إذا ظلمت أحدًا من رَعِيَّتِكَ ولو في دجاجة أو بيضة صارت كل شعرة فيَّ تلعنُك وتتوجه إلى الله تعالى في عزلك وتأديبك ولو بالضرب الشديد والحبس الطويل، فإن شئت فادخل في صحبتي على هذا الشرط، وإن شئت فاذهب إلى غيري. انتهى.

وسمعته رضي الله عنه يقول: لا يجوز للفقراء في هذا الزمان أن يساعدوا أحدًا في شيء من ولايات الظلم ولو تردد إليهم سنين عديدة واعتقدهم كلَّ الاعتقاد، وكل فقير ساعد في ذلك فهو شريك لصاحب تلك الولاية في الإثم الحاصل له وفي الخِزْي الواصلِ إليه في الدنيا والآخرة، فليكن الفقير الساذج على حذر في هذا الزمان من صحبة الأمراء؛ لأن أحدهم أعمى البصر والبصيرة، ولو أنه نظر إلى ما يحصل له من العقوبات في الدنيا والآخرة ما قَبِلَ تلك الولاية, ولو سأل فيها بغير مال أبدًا. انتهى.


وسمعت سيدي محمد بن عنان([1]) رضي الله عنه  يقول: من علامة الشيخ الذي يصحب الأمير لله تعالى ألا يفرح بولايته ولا يحزن على عزله لأنه([2]) دائرٌ مع مُرَادِ الله تعالى لا مع مراد الأمير، وإنما وظيفته كثرةُ النُّصح له أيام ولايته، وكثرة تسليمه له إذا عزله وقوله له: قد استرحت من مظالم العباد والبلاد، ويكفيك ما حصل لك من الظلم أيام ولايتك، فلا يرى له مع الله تعالى حلًّا ولا ربطًا إنما هو كغلام السلطان، فإذا خلع على عبد خلعةً بولاية علَّمَه آدابها، وإذا عزله من ولايته علَّمَهُ آدابَ العَزْلِ وقلبه فارغ من ترجيح أحد الأمرين.

وسمعته يقول: متى تكدَّرَ فقيرٌ من عزل الأمير الذي يعتقده وتولية الأمير الذي يكرهه وينكر عليه فليعلم أن صحبته للأمراء ليست لله تعالى وإنما هي لحظِّ نَفْسٍ، ولو أنه كان صادقًا في صحبته لدَارَ مع مرضاة الله تعالى وقدم مرضاته على مرضاة نفسه وأميره.

وسمعته يقول: مِنْ عَلَامة صِدْقِ الفقير في صحبته الأمير أنه لو مكث سنة أو أكثر متوجهًا إلى الله تعالى في تولية أميره ولاية يطلبها ثم وَلَّى اللهُ تعالى في تلك الوظيفة عدوَّ ذلك الأمير، وحَالَ بينه وبينها انشرحَ لولاية ذلك العدو أكثر من انشراحه بولاية أميره، ومتى حصل عنده بعضُ تَكْدِيرٍ بولاية عدوِّ أميرِهِ فَصُحْبَتُه له لِغَير الله تعالى.

وسمعتُ أخي أفضل الدين رضي الله عنه  يقول: لا تصحبوا من الأمراء إلا من ينشرحُ لدعائكم له بالعزل ولعدوه بالنصر، ومتى انقبض خاطرُه من دعائكم لعدوِّه بالنصر ودَوَام الولاية فلا تصحبوه؛ لأنه يريد يدخلكم تحت حُكْمِهِ وذلك يُنَافي مقامَ الفقراء.

وسمعت الشيخ نور الدين المحلي رضي الله عنه ([3]) يقول: من علامة صدق الشيخ إذا ابْتُلِيَ بصحبة أحد من الأمراء الجوَرَة ألا يكون فيه شعرةٌ تحبِّه؛ فهو وإن خالطه فقلْبُه يلعَنُه.

وسمعته يقول: من ظنَّ من أمراء الجور أحدًا من العلماء العاملين يكون معه على عدوه إذا صحبه فقد خاب ظنه، ولو اعتقده وتردد إليه سنين؛ فقد يكون عدوُ ذلك الأمير أصلحَ للرعيِّة منه، وأكثرَ منفعةً عليهم. انتهى

وسمعت سيدي عليَّا الخواص رضي الله عنه  يقول: من علامة صدق الفقير إذا تردَّدَ إليه أميران أحدهما من أكبر المعتقدين فيه والثاني من أكبر المنكرين عليه أن يكون مع المنكِر عليه إذا كان أصلح للرعية، وعلى المعتقِد فيه إذا كان يظلم الرعية، حتَّى إنَّ المعتقدَ فيه المذكور لو سأله في التوجه إلى الله تعالى في عزل عدوِّه لا يجدُ في نفسه شعرةً واحدةً تجيبُه إلى التوجه في عزل ذلك المنكر عليه الذي هو أصلح، ومتى وجد أدنى ترجيح لمحبة المعتقد على المنكر المذكور -أعني الأصلح- فهو لم يشم من الصدق رائحةً، كما عليه الطائفة الذين يصحبون الأمراء للأغراض النفسانية؛ فإنَّ حكمهم حكم عصبة المجرمين والجمالين. انتهى.

وسمعت سيدي عليًّا الخواص رضي الله عنه  يقول: إذا شَمَّ أحدُكم من الأمير الذي تودَّدَ إليه سنين أنه يكون معه على عدوه فاطردُوه عن صحبتكم بالقلب والقالب لأنه لا فائدة في صحبته. انتهى.

وقد فعلتُ ذلك([4]) مع بني بغداد لما ترددوا إليَّ فصرَّحت بالطرد لمن طلب مني أن أكون معه على عدوه، لكن ذلك لا يصح إلا لمن أحكم مقام الزهد في الدنيا، فاعلموا ذلك أيها الإخوان واعملوا عليه، والحمد لله رب العالمين.

انتهى بتمامه ص 31-33. طبعة دار الكرز بتحقيق الأستاذ سيد حسني شاكر وتقديم الفقير.


([1]) سيدي محمد بن عنان العمري النَّسب أحد أكابر شيوخ الإمام الشعراني، تلقَّى الفقه عن الشيخ يحيى المناوي، وهو الذي ورث خدمة الحجرة النبوية باطنًا خلافةً لسيدي إبراهيم المتبولي. توفي > سنة 922، ودفن خلف محراب جامع المقسم وبنى عليه ولدُه أبو الصفا قبة وزاوية، وهي الآن لصيقة مسجد الفتح المشهور بالقاهرة الذي كان يعرف سابقًا باسم جامع المقسم.
([2]) في الأصل: «لأنَّ.
([3]) نور الدين المحلي الفقيه الشافعي، له شرح على متن الستين مسألة يعرف بإسعاف القاصد يصدر عن دارة الكرز إن شاء الله. حلَّاه الإمام الشعراني في «الطبقات الصغرى» بالعالم العلامة محقق الديار المصرية، كان مشهور بمصر بحل مشكلات العبارات في الأصول والفقه والمعاني والبيان، وتفقه عليه الشيخ شهاب الدين عميرة. توفي سنة على ما أورده صاحب «مفاكهة الخلان» صفر سنة 922.
([4]) في الأصل: بذلك. ولعله سهو من الناسخ.

هناك تعليقان (2):

  1. بسم الله وبحمده وصلاته وسلامه على سيدنا محمد
    جزاكم الله تعالى خير الجزاء سيدي الدكتور محمد نصار
    وأسـتأذنكم سيدي الكريم في نقل هذا الموضوع المهم إلى رباط الفقراء وتحديداً لاثراء الموضوع الموجود على الرابط :
    http://rubat.com/phpbb/viewtopic.php?f=21&t=21729
    فهل تسمحون سيدي للفقير بنقل الموضوع ؟
    خويدمكم الراجي دعائكم له بالمغفرة والتوبة أبو النور

    ردحذف